التناول السوسيولوجي لظاهرة الهجرة والاندماج

التناول السوسيولوجي
 لظاهرة الهجرة والاندماج.
بقلم :
يوسف زروق


يمكن القول بأن سوسيولوجيا الهجرة هي بنت شرعية  لمدرسة شيكاغو،" من خلال الأعمال الجنينية التي أنتجت ما بين 1910و 140- تحديدا في الفترة التي امتدت ما بين الحربين- وهي اعمال امبريقية بالأساس، كان ميدانها البحثي الولايات المتحدة الأمريكية. إن التيمة التي اشتغلت حولها مدرسة شيكاغو خلال هذه الفترة تتمحور حول دراسة العلاقات المعقدة التي تربط بين الناس في عالم متحول تحت تأثير إفرازات التصنيع، التحضر والهجرة. وكما هو الشأن عند دوركهايم، فإن التمايزات والاندماج هما اشكالين يشكلان صلب تحليل مدرسة شيكاغو. إن الباحثين الأمريكيين، يتناولون المدينة كمختبر اجتماعي، جاعلين من العلاقات الإثنية والعرقية مجالا للدراسة. وبالتالي ستصبح أعمالهم عدة منهجية وتأملات نظرية شاهدة على تأسيس إرث سوسيولوجي."[1]
 
إن ظاهرة الهجرة فرضت نفسها على علماء الاجتماع كموضوع للتناول والتحليل السوسيولوجي بعدما كانت تحتكرها حقول معرفية أخرى والتي اشتغلت على الهجرة كظاهرة هي الجغرافيا البشرية؛ وبعد ذلك الديموغرافيا التي كانت تقوم بما يمكن أن نسميه بالإحصاء الوصفي، مثلا: محاولة ضبط ما يسمى باللغة الديموغرافية بالرصيد الهجري، أي الفرق ما بين عدد النازحين وعدد الوافدين في مكان معين؛ ثم أيضا مقاربة الجغرافيين الذين حاولوا أن يرصدوا توزع المهاجرين في بلد الوصول وأيضا في بلد الانطلاق؛ نجد أيضا اللسنيين أو اللسانيين الذين حاولوا الاشتغال حول مدى تملك أواحتفاظ المهاجرين بلغتهم الأصلية، سواء تعلق الأمر في حديثهم بين أبناء جيلهم المهاجر أو بين أعضاء أسرتهم؛ ثم أيضا مقاربة ما يمكن أن نسميه مقاربة العلوم السياسية التي حاولت أن تشتغل على مسألة مهمة وهي ظهور ما يمكن أن نسميه بالنخب السياسية المهاجرة، بمعنى آخر، مآلات وسيرورات في إبراز هاته النخب المهاجرة.
أما فيما يخص المقاربة السوسيولوجية لظاهرة الهجرة فإن "عالم الاجتماع يسعى لإبراز الدوافع غير الاقتصادية للهجرة وموضعة هذه الظاهرة في إطار الكل الاجتماعي الذي توجد فيه... لقد بدأ علماء الاجتماع يهتمون بظاهرة هجرة السكان (خصوصا الهجرة من البوادي إلى المدن) مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وذلك نظرا لاتساع هذه الظاهرة وما بدأ ينجم عنها من مشاكل اجتماعية ( أزمة السكن، التضخم الحضري، الاندماج، الانحراف... ) ولقد كانت هذه المشاكل مرتبطة بمتطلبات ظهور واتشار الظاهرة الصناعية، وما بدأ يتطلبه المجتمع الصناعي الناشئ من يد عاملة عجزت المراكز الحظرية القديمة عن توفيرها، ولذلك كانت الهجرات الداخلية مرتبطة في الدول الأوربية آنذاك بالعمل الصناعي، لتصبح فيما بعد العامل الديناميكي في تكوين سكان المدن، وفي هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية ستصبح ظاهرة الهجرة الداخلية تستقطب اهتمام العديد من الدارسين من مختلف التخصصات."[2]  
وفي إطار هذا" الاختلاف والتنوع في المقاربات شكلت أعمال مدرسة شيكاغو من حيث غناها وتنوعها، ثلاث مستويات للتحليل تؤسس لإحالات تخصصية وهي: التنظيم – سوء التنظيم – إعادة التنظيم عند "توماسThomas"، والعلاقات العرقية عند "باركPark " و "برغس burgess"، ودراسة الكيطو Ghetto ل "ويرث Whirth"."[3]

- مقاربات أساسية:المقاربة الإثنوغرافية: وليام إسحاق طوماس

 إن الحديث عن طوماس في تاريخ علم الاجتماع ومدرسة شيكاغو بالخصوص، هو حديث عن الأب الروحي والمؤسس لسوسيولوجيا الهجرة والتحضر، وذلك من خلال القطيعة التي أقامها مع منطق البحوث المكتبية وقيامه بأول بحث ميداني بمعية صديقة فلوريان زنانيكي حول "الفلاح البولوني في أوربا وأمريكا" ابتداء من سنة 1908، وسيتم نشرها ما بين سنة 1918 و سنة 1920. وكانت الغاية منها هي معرفة السلوكيات الغريبة والمتناقضة للمهاجرين البولونيين في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ترتب عنها تشكل مشكلة اجتماعية.
إن المنهج المعتمد في هذه الدراسة هو منهج مونوغرافي اعتمد على التحقيقات الميدانية ووثائق متنوعة، ثم تقنية "دراسة الحالة" وكذلك تقنية "تحليل المضمون".
تتطرق الدراسة إلى الوصول لفهم "وضعية الفلاحين البولونيين في موطنهم الأصلي ثم وضعيتهم بعد هجرتهم لأمريكا، ومحاولة التعرف على نمط عيشهم في بولونيا ثم ما طرأ من تغير على نمط العيش هذا بعد هجرتهم إلى أمريكا... وهذا ما يستدعي دراسة هذه الفئة من المهاجرين في مكان انطلاقهم وفي مكان الوصول، ومحاولة رصد أنماط وأشكال التفاعل والعلاقات التي ينسجونها فيما بينها بعد الهجرة والتي مع المهاجرين المنتمين لمختلف الأعراق والأجناس الأخرى، وهذا ما يستدعي بالضرورة التطرق إلى موضوع الاندماج أو الانصهار، ومسألة القيم والمعايير الاجتماعية ومظاهر سوء التنظيم الاجتماعي، وإعادة تنظيم."[4] 
في إطار مقاربة طوماس، اعتمد مفاهيم أساسية وهي:
- مفهوم المواقف الفردية والقيم الاجتماعية: يميز طوماس و زنانيكي بين مفهوم القيم الاجتماعية ومفهوم المواقف، حيث يعتبر هذا الأخير "عبارة عن مجموعة من الأفكار والانفعالات التي تتحول مع الزمن إلى استعدادات ثابتة عند الفرد وهي التي تسمح له بإصدار نفس رد الفعل أمام نفس المثيرات وبطريقة متماثلة دوما."[5]
أما بالنسبة لمفهوم القيم الاجتماعية، فيعتبران أنه يتشكل من العناصر الثقافية الموضوعية للحياة الاجتماعية.
تعريف الوضعية: "إن تعريف الوضعية يعني التصور الواضح إلى حد ما لشروط ودرجة الوعي بالمواقف. إن تعريف الوضعية شرط مسبق لكل قرار إرادي، ذلك أنه في ظل شروط معينة وبحسب طيف مواقف معينة هناك عدة اختيارات ممكنة للفعل لا يمكن الحسم فيها إلا بعد استعراضها وتأويلها والمقارنة بينها، والفعل المفضل لا يتحقق إلا بعد التوصل إلى ضرب من الترتيب النسقي للمواقف، بحيث يمكن لواحد منها أن يهيمن على الأخرى."[6]
سوء التنظيم الاجتماعي وإعادة التنظيم: " إن سوء التنظيم يستدعي إعادة التنظيم، ولذلك غالبا ما نجد المفهوم الأول يستعمل للإشارة إلى التفكك الفردي أو الجماعي. والانحراف وغياب الرقابة أو ضعف الضبط الاجتماعي، بينما {إعادة التنظيم} يعني السيرورة التي من خلالها وبها يتم الاندماج والادماج، والانصهار والعودة إلى السواء. أي العودة في نهاية الأمر إلى التنظيم (l’organisation)."[7]
وفي إطار طرح التساؤل حول العلاقة بين الهجرة وسوء التنظيم الاجتماعي، فقد اعتبر طوماس و زنانيكي أن الهجرة نتاج لسوء التنظيم وهي تؤسس لسوء تنظيم أكثر. ويميزان بين نوعين من سوء التنظيم :
- سوء التنظيم الأسري.
- سوء تنظيم المجموعة.
المقاربة الإيكولوجية: روبرت إزرا بارك.
لقد اسس بارك مقاربته في تناوله لموضوع الهجرة، على مفهومين أساسيين ينتميان في الأصل لحقل الإيكولوجيا، وسيعتبر بارك الهجرة الإنسانية طبيعية كما هي هجرة النباتات والحيوانات. وبالتالي سيؤكد على أن ظاهرة الهجرة الإنسانية قابلة للدراسة والتناول العلمي.
إن الجهاز المفاهيمي للمقاربة الإيكولوجية يرتكز على مفهومين أساسيين وهما: الاستخلاف (succession) والتوازن .(équilibre)
" إن مفهوم الاستخلاف قد استعمل بهدف إيجاد الأساس النظري لدراسة الهجرات: فما هي الهجرات – يتساءل بارك- إن لم تكن استخلاف جماعة لجماعة أخرى على أرض معينة. إن هذا المفهوم مقتبس من الإيكولوجيا النباتية، ووجد تطبيقاته العلمية في المجهود الذي كان يسعى لإيجاد تبرير علمي لموجات الهجرات الاستيطانية في عهد الاستعمار المباشر الذي شهدته مناطق عدة من العالم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكذا لتبرير الاستيطان بالعالم الجديد، وهكذا فإن المهاجرين الأوائل لأمريكا جاؤوا لاستخلاف الهنود الحمر في إطار تحولات طبيعية."[8] والاستخلاف حسب بارك لا يخص المستوى الجغرافي والديموغرافي فحسب بل يتعداه إلى مستوى الاستخلاف الثقافي المرتبط بثقافة العيش ونمطه.
أما المفهوم الإيكولوجي الثاني الذي استلهمه بارك فهو مفهوم التوازن وحاول من خلاله أن يبين أن التنظيم الاجتماعي للناس – المجتمع – يخضع لضوابط وقوانين ملزمة ومنظمة لعلاقاتهم الاجتماعية، بهدف الحفاظ على التوازن الطبيعي والاجتماعي. ولهذا " فالهجرة حسب بارك هي أولا وقبل كل شيء ظاهرة تعمل على إعادة التوازن للمجتمع."[9]
كما سيوظف بارك مفهوم التغير الاجتماعي في علاقته بخاصية التنقل الإنساني في المجال، حيث يعتبر أن التغير الاجتماعي وسوء التنظيم الاجتماعي يتم قياسهما بمدى تأثير تنقل الإنسان في المجال، كما يعتبر مفهوم الحراك مناقضا للانكماش والعزلة حيث أنه يصبح عنصرا بانيا للمقارنة الاجتماعية بين العوالم المختلفة، وعاملا مزودا بخبرات وتجارب تغني التجربة الشخصية للأفراد. "إن الحراك بهذا المعنى مفهوم أوسع من الهجرة، فإذا كانت الهجرة تعني وتشير أساسا إلى الانتقال في المجال، فإن الحراك يعني بالإضافة لذلك تغيرا على مستوى الإدراك والتربية. إنه بهذا المعنى تغير مجالي متبوع ومحايث لتغير ذهني وفكري أيضا، قد يتم في إطار تنظيم اجتماعي سوي أو في إطار تنظيم اجتماعي متفكك أو سيء."[10]
وبالتالي فظاهرة الهجرة حسب بارك وخصوصا الهجرة من البادية نحو المدينة هي مؤشر على التقدم والتحول والانتقال من وسط طبيعي إلى وسط ثقافي، منطلقا من فرضية تعزز هذا التحليل، مفادها: "إن المدينة هي السكن الطبيعي للإنسان المتحضر"[11]. وهذا ما جعله ينظر إلى الفلاح المهاجر للمدينة كفلاح نموذجي عندما يتخلى عن العادات والتقاليد والأعراف الخاصة بمجتمعه مقابل أن يصبح سيد نفسه من خلال عملية "الانصهار"(assimilation) عبر الانتساب إلى القيم والتقاليد والعادات الحضرية، فعوض أن يصبح هذا الفلاح المهاجر مشكلا اجتماعيا بالمدينة، يتحول إلى فرد مندمج بالمجتمع الحضري عبر دخوله في نسق من التفاعلات والسير ورات الاجتماعية أو ما يسميه "بدورة العلاقات الإثنية".
وفي هذا المستوى يضيف د. عبد الرحمن المالكي، أن بارك إنتهى إلى "محورة كل إشكاليته وبناءه النظري حول أربعة مفاهيم أساسية، أو أربع سيرورات كبرى هي: التنافس (compétition) والصراع  (conflit)والتأقلم(accommodation)   والاستيعاب  (assimilation)."[12]
يعرف بارك التنافس بأنه التشكيلة الأولى للتفاعل ، وهو بذلك ممهد لبروز الصراع ثم التأقلم وصولا إلى حالة الاستيعاب.
أما مفهوم الصراع فهو ألية لتقوية الرابط الاجتماعي وجسور التلاحم بين الأقليات، حيث يصل الأفراد في هذه المرحلة إلى وعي تام بمسؤولية ما يحدث في بيئتهم الجديدة.
وبعد المرحلتين السابقتين يظهر التأقلم، الذي هو عبارة عن ظاهرة اجتماعية تفرض على الأفراد المهاجرين احترام المؤسسات والقواعد التي تنظم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وتحافظ على الاختلافات الثقافية.
إن التفاعل والتأثيرات المتبادلة بين المراحل السابقة ينتج عنها مفهوم مركزي استحوذ على اهتمام بارك كونه يناقش من خلاله العلاقات الإثنية ومسألة انصهار المهاجرين، بحيث أن الاستيعاب لا يعني التخلي عن ثقافة وقيم عرق معين مقابل الثقافة السائدة ببلد الاستقبال بل يتعلق أساسا بمساهمة هؤلاء الأفراد أو هاته الجماعات الإثنية في سير المجتمع مع الحفاظ على خصوصياتها. وذلك من خلال اللغة وتقاليد وتقنيات مشتركة.
- الهجرة والاندماج والإدماج:
تقرّ الأدبيات الكلاسيكية للعلوم الاجتماعيةوالانسانية أنّ الادماج هو بالأساس مجموعةمن التفاعلات بين عناصر مختلفة داخلمجموعة ما وهو ما يؤدي إلى احساسهابضرورة التماثل والانسجام فيما بينها بآلياتوطرائق مختلفة ومتنوعةولذلك فإنّ الادماجيحيل على وضعية فرد أو جماعة أو شريحةاجتماعية هي في تفاعل مع أفراد آخرين أومجموعات أخرى تتقاسم معها نفس القيموالمعايير داخل المجتمعات التي تنتمي إليها.ومن هذا المنطلق فإنّ ما يقابل مفهوم الادماجهو التماثل والتواصل والانسجام والتفاعل.فهذه المفاهيم قد تمثّل تكملة لمفهوم الإدماجفي دراسة المسارات الاجتماعية كما أنها قدتسائله من خلال التركيز على الظواهر التيقد يغفلها مفهوم الإدماج أو التي قد لا يتعرضلها بالشكل الكافي، كما أن مفهوم الإدماجيستعمل من طرف الفاعلين الاجتماعيينالمختلفين سواء أكانوا سياسيين أو رجال فكرأو اقتصاد أو منشطين أ ومتدخلين في الحقلالتربوي الاجتماعي أو دارسين و باحثين فيمجالات معرفية مختلفة.
"بالاستناد إلى بارسونز فإنّ الإدماج هوأحد وظائف النسق الاجتماعي و هو يضمنالتنسيق بين مختلف أجزائه من أجل أن يشتغلالنسق بشكل جيدومن وجهة نظر علم النفسالاجتماعي فإن الإدماج يتم التعبير عنه منخلال مختلف التفاعلات بين مختلف عناصرمجموعة ما، الشيء الذي يؤدي إلى الإحساسبالتماثل مع هذه المجموعة والانتماء إليها.ويرتبط الادماج بعناصر عديدة مثل العائلةكمؤسسة للتنشئة الاجتماعية، وبالشغلكعامل أساسي من عوامل الإدماج، وبالقانونكمجموعة من الحقوق والواجبات التي تربطالفرد بالآخرين وبالمجتمع ككل.
أما مفهوم الاندماج فيتضمن معاني عديدةتدلّ على التوحّد والانصهار وهي معانيتناقض العزلة والصراع والانقسام والتناقض.وعادة ما يحيل مفهوم الادماج على الحريةواكتساب السيادة وهو ما يحيل بالضرورة إلىحرية الأفراد والجماعات في الانتماء بمنأى عنعمليات الادماج القسري والتسلط.
وهكذا يطرح مفهوم الادماج في علاقةبالسيادة قاطعا مع كل احتمالات الاقصاءوالتهميش ليتناغم  ومفهوم التثاقفويلعبالتثاقف دورا أساسيا في تشكيل عمليةالاندماج، وهي عملية تمتدّ في الزمان والمكانبحيث يصعب حصرها في حدود معينة ، لأنّالتثاقف يحصل من تبادل التأثي ا رت بمايؤدي إلى الاتصال بين المجموعات وإضعافعمليات الاختلاف بينها كَكُل"[13].
"يكتنف لفظ اندماج intégration كثير من الغموض، لأنه ينتمي في الوقت نفسه إلى اللغة السياسية واللغة السوسيولوجية، إضافة إلى اقترانه بالممارسة السياسية والنقاشات المجتمعية المثارة حول قضايا الهجرة (إدماج المهاجرين) والتعدد الثقافي (الهوية الثقافية)، خصوصا في بعض المجتمعات الغربية التي سنت التدابير وأنشأت وزارات أو مصالح حكومية خاصة بالهجرة والاندماج الاجتماعي.
غالبا ما يطرح لفظ الاندماج كمقابل لعدم الاندماج désintégration، لكن أيضا كمقابل للاختلال (anomie) والإقصاء(exclusion) والإجرام(délinquance)  والانحراف (deviance) والانفصال(dissociation)  والتمرد (dissidence)والتشتت(émiettement) والاستيلاب (alienation)والتمييز أو العنصرية(segregation)  وعدم الانتساب(disaffiliation)الخ ...، ولا تكفي هذه التقابلات لجعل المفهوم قابلا للفهم، لاسيما أن الاختيار بين الأنماط يرتبط في الغالب بالأفكار السائدة والتقنيات العمومية أكثر منه بمنطق المعرقة. ويشير مفهوم الاندماج في معناه العام، إلى فكرة الترابط أو التبعية البيئية (interdépendance) بين عناصر أو وحدات مجموع ما، ينظر إليها من منظور نسقي. ويقوم هذا الترابط البيني على "التلاؤم بين مكونات النسق مع بعضها بعضا"، كما أكد تالكوت بارسونز في مؤلفه النسق الاجتماعي. وينبغي أن نضيف أخيرا أن الاندماج يأخد أشكال مختلفة، ويرتبط بنعوت مختلفة. لهذا من الملائم التمييز في الوقت نفسه بين أنماطه ومستوياته. وهكذا يميز لاندكيرlandecker أربعة أنماط أساسية من الاندماج، هي: الاندماج الثقافيl’integration culturelle الذي يهم درجة الانسجام بين قيم ثقافة ما، و الاندماج المعياريl’intégration nomative  الذي يتعلق بدرجة تطابق السلوكات مع المعايير الجماعية، و الاندماج التواصلي l’intégration communicative الذي يرتبط بكثافة تبادل المعاني بين الفاعلين، و أخيرا الاندماج الوظيفيl’intégration foctionnellle  المتعلق بتبادل الخدمات"[14].
الهوامش:




[1] -Andrea rea, maryse tripier, sociologie de l’immigration, ed la découverte, paris, 2003, p 8.
-د. عبد الرحمن المالكي، الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، منشورات مختبر سوسويولوجيا التنمية الاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الأداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، فاس، 2015، ص 114-115.[2]
[3] - A. Rea, M. Tripier, op. cit. p. 9.
4- المرجع نفسه، ص 97-98[4]
5- المرجع نفسه، ص 102.[5]
6- المرجع نفسه، ص 106.[6]
7- المرجع نفسه، ص 110.[7]
8- د. عبد الرحمن المالكي، مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة، إفريقيا الشرق 2016، ص 134.[8]
9- المرجع نفسه، ص 135.[9]
10- المرجع نفسه، ص 137.[10]
11- المرجع نفسه، ص 138.[11]
12- المرجع نفسه، ص 140.[12]
[13] - الادماج و الاندماج...الرهانات و الاستراتيجيات و المرجعيات، أعمال الندوة العلمية الدولية، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و التكنولوجيا جامعة تونس، المعهد العالي للتنشيط الشبابي و الثقافي ببئر الباي،ص 4-5
 فوزي بوخريص، الاندماج الاجتماعي والديموقراطية: نحو مقاربة سوسيولوجية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، ص 5-6-[14]

Aucun commentaire